الجمعة، 30 يناير 2015

باسم يوسف.. جراح السخرية

قدم الإعلامي الساخر باسم يوسف وعلى مدار ثلاث سنوات تقريبا مثالا حيا على ما يجب أن يكون عليه الإعلام من خلال برنامجه الساخر "البرنامج" صحيح أنه مأخوذ من البرنامج الأمريكي "ذا دايلي شو" الذي يقدمه الناقد الساخر "جون ستيوارت لكن هذه التجربة كانت الأولى من نوعها في العالم العربي/الاسلامي وحده الدكتور باسم يوسف من امتلك الشجاعة لخوض التجربة حين بدأ بمعدات و فريق عمل بسيط معتمدا على كاميرا واحدة و قناة على اليوتيوب قبل أن ينتقل إلى قناة أون تي في و بعدها إلى سي بي سي حيث ستكون المحاكاة الحقيقية لبرنامج جون ستيوارت بدء بالديكور وصولا إلى طريقة التقديم و المواد المقدمة و هذا ليس عيبا أو انتقاصا من د. باسم يوسف فهو يمتلك الموهبة و الفكر و الوعي المطلوب للمناقشة خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن جل إن لم نقل كل البرامج المقدمة على الشاشات العربية هي منقولة عن برامج غربية الفرق الوحيد أن الأولى اهتمت بكل ما يتعلق بالتسلية و الترفيه، بينما برنامج باسم يوسف اهتم بالنقاش السياسي الجاد و نقذ الأوضاع نقدا لاذعا لكن بطريقة مبتكرة وهي عن طريق السخرية و الهزل و الضحك و ربما لذلك حقق البرنامج أعلى نسبة مشاهدة وحقق أكبر نجاح يمكن أن يحققه برنامج آخر.
ولمن لا يعرف فإن باسم يوسف هو طبيب حاصل على الدكتراه متخصص في جراحة القلب عمل بأمريكا و أوربا لمدة سنتين ونصف في أحد شركات الأجهزة الطبية التي تطور تكنولوجيا زراعة القلب و الرئة، حصل على الدكتراه في مصر ثم سافر إلى ألمانيا للتدريب على جراحات زرع القلب والأجهزة المعاونة لعضلة القلب. قبيل اندلاع الثورة المصرية كان يستعد للسفر مجددا للعملفي أمريكا لكن الثورة أوقفته لتغير مساره من طبيب ناجح إلى إعلامي أكثر نجاحا و شهرة.
و يبدو أن باسم الذي عرف السخرية في أصلها اليوناني أنها عملية تجريح (من جراحة) و تشريح قد قام بها على أكمل وجه ليكون الطبيب الفريد في العالم الذي كان جراحا في الحقيقة وفي السخرية في الحالتين كان يفعل ذلك ليداوي.
ففي جراحة القلب كان يداوي الشخص من آلامه الجسدية و في جراحة السخرية كان يداوي الشخص من آلامه العقلية. كانت له رسالتين بسيطتين وواضحتين الأولى للساسة "احكموا بالعدل وبالحق وبالقانون" و الثانية للاعلاميين "احترموا عقول المشاهدين" باسم يوسف لم يعتبر نفسه زعيما ولا بطلا ولا متحدثا باسم الثورة و الثوار ولاحتى إعلامي بل مجرد مقدم لبرنامج سياسي ساخر يعبر من خلاله عن آرائه و سواء اتفقت معه أو اختلفت معه اسمع ما يقول لأن هذه هي الديمقراطية أو لنقل من المقومات الأساسية للديمقراطية ليس أن تتقبل الرأي المخالف بل فقط أن تسمعه دون أن تراودك رغبة في أن تمحيه من الوجود لمجرد رأي قاله. بل ناقشه أو هاجمه دون أن تكيل له مكاييل من التهم و الشتائم و الإهانات، لأنه إن كان تفكيرك منطقيا فردك أيضا سيكون منطقيا وحججك ستكون منطقية.
رمي باسم يوسف بوابل لانهائي من التهم من كونه كافرا ملحدا، وماسوني و صهيوني و عميل خائن وحتى مخنث وشاذ لا لشيء غير أنه قرر أن يقف دائما إلى جانب الشعب و الحق ضد السلطة أيا كانت، ففي كل الأحوال السلطة لديها ما يكفي من المطبلين و المادحين والمؤيدين لكل ما تفعله مهما كان.
ولعل أكثر تهمة تحتاج إلى توضيح هي تهمة إزدراء الأديان والمقصود طبعا الإسلام، وذلك لارتباطها بسخرية باسم من مواقف بعض الإسلاميين وحتى هذه التهكة إذ ما أردنا أن نطفي عليها بعض القبول علينا القول "ازدراء شيوخ الاسلام" وليس الإسلام لأن ما أفهمه من كلمة ازدراء الإسلام هو السخرية من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو طقوس دين إسلامية كالصلاة أو الصيام أو الأعياد و طبعا هذا ما لم يحدث. أما السخرية من مواقف وآراء لشيوخ يرى باسم يوسف و الكثيرون معه أنها تتعارض مع مبادئ الدين الذي ينتمي إليه و التعامل معها أنها إساءة للدين فهذا ما لا أستطيع فهمه، بل إن ما يقوله بعض الشيوخ هو ما يشكل في الحقيقة إساءة للدين. ماذا فعل باسم يوسف غير أنه سخر من الشيوخ الذين يحملون المرأة مسؤولية التحرش و الاغتصاب، الذين شبهوا الرئيس السابق محمد مرسي بالأنبياء والرسل وحكوا عنه أساطير و رؤى، أليس هذا استغلالا للدين و متاجرة به؟
ماذا فعل غير أنه هاجم ما يراه أخطاء في السلطة السياسية ولك أن تتفق أو تختلف معه فأنت حر. ونعم قدم برنامجه في عهد مرسي بدون توقف، ونعم تم إيقاف البرنامج في عهد السيسي لكن لمن يريد أن يحسبها نقطة لصالح مرسي، أ نسي أن البرنامج كان يتعرض للتشويش؟ أ نسي أن باسم يوسف أستدعي أكثر من مرة إلى مكتب النائب العام للتحقيق معه؟ و الأهم ألا يعلم أن تهمة كتهمة الكفر والإلحاد الذي وسم بها في عهد الإخوان أخطر من الوقف لأنها ببساطة قد تؤدي به إلى القتل تماما كما حصل مع الكاتب فرج فودة الذي كل ما فعله أنه دافع عن أطروحة العلمانية.
المسألة ليس الوقوف مع نظام ضد نظام أو مناصرة شخص ضد شخص ولا هذا كان مبدأ باسم يوسف، المسألة ببساطة تتلخص في شعار بسيط يلخص كل شيء يجب أن يحمله كل من يريد الخير لبلاده ويريد العدل ولا شيء غير العدل. "طول ما دم الشعب رخيص يسقط أي حزب أي تيار أي فكر أي رئيس".
ولا تنسوا أن باسم يوسف جراح السخرية و صانع الابتسامة كان العلامة البارزة و المضيئة في سماء الإعلام الحر و النزيه وقد فقدنا هذه العلامة.